الدرس 3: الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات

المقدمة:

مع بداية ثلاثينات القرن العشرين كانت الظروف الجديدة في البلاد التونسية عاملا محركا لاستعادة الحركة الوطنية لنشاطها. فما هي هذه الظروف الجديدة؟ وما هي أبرز التحركات الوطنية التونسية إلى حدود 1938؟


أهمّ الأحداث في تونس خلال الثلاثينات

I- أوضاع متأزمة على جميع المستويات:

1. أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة:

- ترجع هذه الأزمة أساسا إلى خصائص هيكلية للاقتصاد التونسي فهو اقتصاد يعتمد على الفلاحة البعليّة التي كثيرا ما تتضرر جراء نقص الأمطار أو سوء توزيعها مثلما حدث في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات إلى جانب التأثير المباشر للأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت في انهيار الأسعار ومنها أسعار زيت الزيتون.

- تأزم القطاعين الصناعي والمنجمي بسبب الأزمة العالمية وفشل السلط الاستعمارية في ايجاد حلول للحرفيين التونسيين في جميع القطاعات فقد ازدادت معاناتهم بمنافسة الفرنسيين والإيطاليين لهم.

افلاس العديد من الصناعيين والحرفيين وتراجع التشغيل في المناجم.

- ارتفـاع عدد العـاطلين عن العمل في كل القطاعات الاقتصادية ففي قطاع المنـاجم تراجـع التشغيل فيها من 18500 سنة 1930 إلى 6720 سنة 1935 أي إلى حوالي الثلث وقد ارتفـع عدد العـاطلين عـن العمل في مدينة تونس في أكتوبر 1935 إلى 30 ألف عاطل من صغار الحرفيين وخاصة من النازحين من الأرياف.

انتشار الفقر ومظاهر البؤس في كل المدن الساحلية وخاصة العاصمة.

2. تدعيم فرنسا لسياستها الاستعمارية:

حرصت سلطة الحماية الفرنسية في تونس على تدعيم وجودها الاستعماري من خلال:

- دعم الكنيسة الكاثوليكية ومساعدتها على إقامة المؤتمر الأفخارستي في ماي 1930 في قرطاج.

- احتفالها في السنة الموالية بمرور نصف قرن على تواجدها في تونس وقد كلف هذا الاحتفال ميزانية الدولة التونسية 300 مليون فرنك.

- تطبيق سياسة التجنيس منذ نهاية 1932 حتى يتفوق عدد الفرنسيين على عدد الإيطاليين والمالطيين.

أثارت هذه السياسة غضب التونسيين من كل الأوساط. حيث تنامى الوعي الوطني لدى كل الفئات الاجتماعية فاعترضت الصحف على هذه السياسة وعبر العديد من رجال الفكر عن رفضهم لها مثل الطاهر الحداد وأبي القاسم الشابي والشيخ ادريس الشريف في بنزرت وغيرهم.

II- مظاهر تطور الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات:

1. بروز نخبة جديدة في صلب الحزب الحر الدستوري ونشأة الحزب الحر الدستوري الجديد:

- منذ نهاية العشرينات عاد مجموعة من الشباب الذين أكملوا دراستهم الجامعية في فرنسا وانضموا للحزب الحـر الدستوري وكان من بينهم محمود الماطري والحبيب بورقيبة ومحمود بورقيبة ... وفي سنة 1932 أسسوا جريدة "العمل التونسي"L’ACTION TUNISIENNE الناطقة بالفرنسية وبينت المقالات الصادرة فيها أن مطالب الحزب أصبحت أكثر تجذرا من خلال المطالبة بحرية الشعب التونسي وحقه في دستور وسيادة كاملة. وقد عبر المؤتمر القومي للحزب الحر الدستوري المنعقد في نهج الجبل بالعاصمة يومي 12 و13 ماي 1933 على هذا التوجه الجديد الذي تبناه أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب لكن قادة الحزب التقليديين رفضوه.

- كـان مـؤتمـر قصـر هـلال يوم 2 مــارس 1934 فــرصة للقادة الشبـاب لإنشـاء حـزب جـديد وهـو "الحـزب الحـر الدستوري الجديد" الذي يقوده ديـوان سياسي تم انتخابه خلال المؤتمـر وقد حـرص هذا الديوان على نشر الوعي الوطني في كل مناطق البلاد وكل الفئات الاجتماعية وعدم الاقتصار على المدن والفئات المثقفة. وكانت الغاية من هذه السياسة مواجهة السلطات الاستعمارية بالتعبئة الشعبية أي تقديم الشعب لمطالبه عبر مسيرات شعبية وعدم الاقتصار على ارسال الوفود مثلما كان يفضل أنصار الحزب الدستوري القديم مثل أحمد الصافي وصالح فرحات وغيرهم.

2. إحياء جامعة عموم العملة التونسية:

- رغم تأسيس بعض النقابات المتفرقة منذ 1932 فإن السياسة القمعية التي سلكها المقيم العام مارسال بيروطون منعتها من مواصلة نشاطها. وفي سنة 1936 أصبحت الظروف سانحة لتأسيس النقابات التونسية فقد عين مقيم عام جديد وهو أرمان ﭬيون تغيرت معه وخاصة مع " الجبهة الشعبية" التي وصلت إلى الحكم في فرنسا في شهر جوان سياسة فرنسا في تونس.

- تم تأسيس جامعة عموم العملة التونسية الثانية يوم 27 جوان 1937 بانتخاب مكتب جديد ترأسه بلـﭬاسم الـﭬناوي وقد ضمت 45 نقــابة أسـاسية إلا أن هذه الجــامعة لـن تدوم طويـلا فقد لقيت معــارضة شـديدة من اتحــاد النقــابـات التــابع " للكنفدرالية العامة للشغل" كما أنها دخلت في نزاعات مع الحزب الحر الدستوري الجديد في نهاية 1937 نتيجة اختلاف وجهات النظر حول مفهوم النضال ففي حين تراه الجامعة دفاعا عن المصالح المادية والمعنوية للعمال يراه الحزب الحر الدستوري الجديد أداة للضغط على المستعمر.

فشل هذه الجامعة في الحفاظ على استقلاليتها واضطرارها للانضمام لاتحاد النقابات التابع "للكنفيدرالية العامة للشغل" في صائفة 1938.

3. تجذّر الحركة الوطنية:

يظهر هذا التجذر من خلال:

- الالتحام بالجماهير الشعبية عبر تأسيس الشُعَب وعقد الاجتماعات وتوعيتها بوطنيتها من خلال مقاطعة البضائع الفرنسية وخاصة الامتناع عن دفع الضرائب باعتبار التونسيين غير ممثلين في البرلمان الفرنسي ورغم تصلب فرنسا ولجوئها إلى نفي قادة الحزب الحر الدستوري الجديد فقد تعددت المظاهرات الاحتجاجية في أغلب مناطق البلاد فاضطرت فرنسا لتغيير سياستها.

- اللجوء الى التفاوض مع فرنسا في فترة حكم الجبهة الشعبية فقد بادر المقيم العام الجديد أرمان ﭬيون منذ مارس 1936 بالسماح بعودة المنفيين الذين شجعهم وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم في جوان 1936 فكثف الحزب الحر الدستوري تركيزه للشعب التي تضاعف عددها أكثر من مرة بأن تجاوز 400 شُعْبَة سنة 1937 بعد أن كان عددها 162 سنة 1936 وتفاوض مع الجبهة الشعبية وقد أبدى كاتب الدولة المساعد لوزير الخارجية الفرنسي بيار فيانو تفهما لمطالب التونسيين المعتدلة ووعد بالقيام ببعض الاصلاحات لكن المعمرين اعترضوا على أي محاولة لتغيير الأوضاع فدعمت سلط الحماية موقفهم بتطبيق سياسة قمعية تزامنت مع سقوط حكومة الجبهة الشعبية الأولى.

- تصعيد النضال ضد السلط الاستعمارية بإدخال المطالبة بالاستقلال في برنامج الحزب والقيام بحملة داخل البلاد تحرض التونسيين على الامتناع عن دفع الضرائب والقيام بالخدمة العسكرية فأوقفت السلط الفرنسية عشرين من قادة هذه الحملة أبرزهم سليمان بن سليمان ويوسف الرويسي وصالح بن يوسف والهادي نويرة... ورد الديوان السياسي بإضراب عام يوم 8 أفريل 1938 وقيادة المنجي سليم وعلي البلهوان لمظاهرة شعبية في العاصمة بمشاركة محمود الماطري (رغم استقالته من الديوان السياسي) ضمت بين 7 و10 آلاف شخص اتجهوا نحو الإقامة العامة الفرنسية وطالبوا ببرلمان تونسي وحكومة وطنية كما تمت تحركات مماثلة في أغلب المدن الهامة وقد أدى اعتقال علي البلهوان يوم 9 أفريل إلى تصادم حاد بين المتظاهرين وسلط الحماية تسبب في سقوط المئات من الشهداء والجرحى من المتظاهرين.

اعلان حالة الحصار وحل الحزب الحر الدستوري الجديد وتعطيل الصحف الوطنية واعتقال العديد من الوطنيين ومحاكمتهم بدعوى التآمر على أمن الدولة.

الخاتمة :

لقد شهدت الحركة الوطنية تغيرا نوعيا في تحركاتها ناتج عن وعي سياسي بضرورة وجود تلاحم قوي بين الشعب وقادته فتم استغلال وصول حكومة يسارية قابلة للحوار مع مستعمراتها للتفاوض معها. فهل ستوفر الحرب العالمية الثانية ظروفا جديدة لعودة الحركة الوطنية لسالف نشاطها؟


دروس الجغرافيا

- الدرس 1: الوسط الطّبيعي بالمغرب العربي المزايا والضغوطات


- الدرس 2: الموارد الطّبيعيّة بالمغرب العربي


- الدرس 3: السكان والتنمية البشرية بالمغرب العربي


- الدرس 4: التنمية الاقتصادية بالمغرب العربي


- الدرس 5 : السكّان بالبلاد التونسيّة


- الدرس 6: التنمية الفلاحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 7: التنمية الصناعيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 8: التنمية السّياحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 9: تنمية التجارة الخارجيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 10: حصيلة التنمية بالبلاد التونسية