الدرس 9: الحركة الوطنية التونسية من 1945 إلى 1956

المقدمة:

شأنها شأن القوى الوطنية في بقية بلدان المغرب العربي استفادت القوى الوطنية التونسية من ظروف جديدة أفرزتها الحرب العالمية الثانية وساعدتها على نيل استقلالها. فما هي تأثيرات الظروف الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية في البلاد التونسية والحركة الوطنية فيها؟ وما هي التطورات التي شهدتها التحركات الوطنية إلى تاريخ الاستقلال يوم 20 مارس 1956؟

I- تأثيرات ظرفية ما بعد الحرب العالمية الثانية في تونس والحركة الوطنية فيها:

1. أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة:

- اقتصاديا: عانت البلاد التونسية من أزمة حادة نتيجة تراجع الانتاج الفلاحي فقد توالت سنوات من الجفاف لم يقدر الفلاحون بإمكانياتهم البسيطة على توفير ما يكفي لسد حاجيات أهل البلاد من المواد الغذائية فضلا عن بعض المواد الأخرى التي يستخدمها الحرفيون مثل الحلفاء والصوف.

- اجتماعيا: انتشرت البطالة وانتشرت معها مظاهر الفقر والبؤس والجوع في الأرياف واحتدت حركة النزوح الى المدن الساحلية قصد البحث عن الشغل أو بعض الخدمات التي يمكن أن تتوفر فيها لكن مظاهر الفقر والاحتياج كانت هي الطاغية خلال هذه الفترة.

2. انهيار الامبراطوريات الاستعمارية:

رغم انهيار كل من الإمبراطوريتين البريطانية والهولندية (أغلب مستعمراتها آسيوية) فإن فرنسا لا تزال متمسكة بسياستها الاستعمارية التعسفية في كل مستعمراتها ولم تكن الوضعية مختلفة في تونس بل إن قرب تونس من فرنسا جعلها حريصة على استغلال كل مورد فيها قصد تخطي مرحلة الضعف التي عانت منها نتيجة الحرب ضد ألمانيا وحلفائها فأصبح المناضلون التونسيون يبحثون عن مخرج دولي للأزمة التونسية.

3. إقرار ميثاق الأمم المتحدة حق الشعوب في تقرير مصيرها:

منذ نهاية الحرب العالمية الأولى قدم ولسن نقاطه الأربعة عشر والتي منها البند 14 الذي دعا إلى توفير ضمانات متبادلة ومتساوية في الاستقلال السياسي والقومي بين كل الدول وبعد الحرب العالمية الثانية تم التأكيد على هذا المبدأ من خلال ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي يدعو إلى التسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها فكان هذا المبدأ منطلقا لمواصلة النضال والسعي لكسب أنصار دوليين للقضية التونسية.

II- مظاهر تطور الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات:

1. تأسيس جبهة وطنية تونسية:

حرص رموز الحركة الوطنية من قادة اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري وقادة الديوان السياسي للحزب على الإتحاد في جبهة وطنية انضم لها العديد من علماء جامع الزيتونة لتوحيد جهودهم ومطالبهم من المستعمر الفرنسي حتى يتأكد من جدية مطالبتهم بالاستقلال.

2. انعقاد مؤتمر ليلة القدر:

عقدت الجبهة الوطنية مؤتمر ليلة القدر يوم 23 أوت 1946 في العاصمة وقد حضره ممثلون عن كل جهات البلاد وكل طبقات الشعب ومكوناته السياسية والثقافية والنقابية واتفق جميع الحاضرين على أن الحماية نظام سياسي واقتصادي يتعارض مع المصالح الحيوية للشعب التونسي وحقه في التمتع بسيادته لذلك فإنه سيحرص على استرجاع استقلاله التام. وفي هذا الإطار تندرج الإضرابات المتكررة للعديد من القطاعات من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى بداية الخمسينات.

3. تجذّر الحركة الوطنية:

- مرّت أول خطوة لتدويل القضية التونسية عبر جامعة الدول العربية الحديثة النشأة فما أن وقع ميثاقها حتى أرسل إليها الحبيب بورقيبة ليمثل التونسيين المطالبين باستقلال بلادهم يوم 26 أفريل 1945.

- وفي 18 جوان 1948 كلف جلولي فارس وهو عضو في الديوان السياسي بتمثيل تونس في مؤتمر شعوب أوروبا وآسيا وإفريقيا الذي عقد في باريس قصد ايصال صوت التونسيين المطالب بالاستقلال.

- كما أن فرحات حشاد دعا المنظمات النقابية الأمريكية إلى التضامن مع الشعب التونسي ونصرة قضيته أمام الاستعمار الفرنسي في شهر سبتمبر سنة 1951.

III- المقاومة المسلحة:

1. فشل مفاوضات حكومة محمد شنيق مع السلط الاستعمارية:

في أوت 1950 بدأت تجربة حوار ثانية مع فرنسا بقيادة حكومة شنيق الثانية لكنها فشلت فقد تمسكت فرنسا بمبدأ السيادة المزدوجة ورفضت الحواركما لجأت إلى الاضطهاد والقمع مع المقيم العام جون دي هوتكلوك في جانفي 1952.

توجيه شكوى إلى مجلس الأمن يوم 14 جانفي بإمضاء محمد شنيق رئيس مجلس الوزراء في الحكومة التونسية.

2. اعتماد المقاومة المسلحة كحل اضطراري:

- في مؤتمر الحزب الحر الدستوري المنعقد يوم 18 جانفي 1952 أعطيت إشارة انطلاق الثورة المسلحة المنظمة والتي فاق عدد المنخرطين فيها 3000 مجاهد.

- شن الفلاقة بقيادة الطاهر الأسود والأزهر الشرايطي ومصباح الجربوع ومحجوب بن ميلاد وغيرهم حرب عصابات على مصالح السلط الفرنسية وكل الموالين لها في أغلب مناطق البلاد.

- كما تواصلت المظاهرات الشعبية التي أصبحت المرأة تشارك فيها بكثافة مثل مظاهرة يوم 15 فيفري 1952.

- لمزيد الضغط على المناضلين لم تكتف فرنسا بالنفي والاعتقالات التي شملت العديد منهم فإنها لجأت إلى اغتيال مناضلين بارزين مثل النقابي فرحات حشاد (5 ديسمبر 1952) والسياسي الهادي شاكر (13 سبتمبر 1953).

IV- من الاستقلال الداخلي إلى الاستقلال التام:

1. الاستقلال الداخلي:

- بوصول حكومة منداس فرانس إلى الحكم أعلن في خطاب أمام الأمين الباي يوم 31 جويليا 1954 استعداد فرنسا " لنقل مقاليد السيادة الداخلية إلى تونسيين ومؤسسات تونسية".

- تم تشكيل حكومة تفاوضية برئاسة الطاهر بن عمار في أوت 1954 لإبرام الاتفاقيات التي تضبط حقوق الجانبين.

- نصّت اتفاقيّات الحكم الذاتي الموقع يوم 3 جوان 1955 على منح الإدارة الداخلية للتونسيين واحتفاظ فرنسا بشؤون الدفاع والسياسة الخارجية.

اعتبر صالح بن يوسف (الأمين العام للحزب الحر الدستوري) وأنصاره اتفاقيات الحكم الذاتي خطوة إلى الوراء ودخلت الحركة الوطنية في خلافات حادة لم يحسمها إلا مؤتمر الحزب الحر الدستوري المنعقد بين 15 و 18 نوفمبر 1955 بصفاقس لفائدة الحبيب بورقيبة (رئيس الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري) ففر صالح بن يوسف إلى المشرق.

2. اعلان الاستقلال التام للبلاد التونسية:

- اعتبرت كل القوى الوطنية التونسية أن الاستقلال الداخلي لا يمثل سوى خطوة نحو الاستقلال التام لذلك يجب أن تتواصل المفاوضات لإتمام هذا الاستقلال.

- منذ 27 فيفري 1956 دخلت الحكومتان التونسية والفرنسية في مفاوضات انتهت بتحرير نسخة الاستقلال التام في باريس يوم 20 مارس 1956.

استقلال تونس في سياستها الخارجية وفي الأمن والدفاع مع تلقي دعم فرنسي في هذه المجالات.

الخاتمة :

بعد 75 سنة من الاستعمار تحصل التونسيون على استقلالهم وبدأت مرحلة جديدة في تاريخهم. فما هي مميزات هذه المرحلة على مستوى استكمال السيادة وبناء الدولة والمجتمع العصريين؟


دروس الجغرافيا

- الدرس 1: الوسط الطّبيعي بالمغرب العربي المزايا والضغوطات


- الدرس 2: الموارد الطّبيعيّة بالمغرب العربي


- الدرس 3: السكان والتنمية البشرية بالمغرب العربي


- الدرس 4: التنمية الاقتصادية بالمغرب العربي


- الدرس 5 : السكّان بالبلاد التونسيّة


- الدرس 6: التنمية الفلاحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 7: التنمية الصناعيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 8: التنمية السّياحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 9: تنمية التجارة الخارجيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 10: حصيلة التنمية بالبلاد التونسية